مساحة للنقاش الأوصاف القذرة للإعلام العربي-يونس إمغران (المغرب)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مساحة للنقاش

مساحة للنقاش
الأوصاف القذرة للإعلام العربي

  يونس إمغران    

*** كنت و مازلت أنظر و أتعامل بحذر و ريبة مع الإعلام العربي بشكل خاص، و الإعلام الغربي و العالمي بشكل عام.. أو لنقل أن مقاربتي للمسألة الإعلامية  بغض النظر عن محيطها التاريخي، أو مصدرها الايديولوجي، أو جنسها المهني، بنيت على قاعدة واحدة، هي الشك في صدقيتها.. و نادرا ما يرتاح ضميري العاطفي أو العقلاني إلى المضامين التي تنسجها الآلة الإعلامية..
و من ثمة، فأنا لا أعبر هنا عن موقف عدائي نحو سلطة ( يقال عنها رابعة) تملك من الأدوات و المفاهيم و أساليب التجنيد و التعبئة، ما يؤهلها لتشكيل و إسقاط الدول و الحكومات ، و تفجير الأوضاع سياسيا و اجتماعيا و حضاريا، و تغيير الحدود الجغرافية بمنطق النار و الحديد و الدم.. و إنما هو موقف بلورته انطلاقا من تجربتي المهنية النظرية و الميدانية في معانقة المسألة الإعلامية.. و هذا ما يجعلني اليوم أقول: أن ما يسمى ب " قيم "  الحياد و الموضوعية و الاستقلالية و الشفافية و الحق و المسؤولية و غيرها، لا وجود لها في الممارسة الإعلامية بالقدر الذي يشاع و يقال و ينظر له، بل هي أوهام و أكاذيب و حيل، يعتمدها البعض، و يروج لها آخرون من حين لآخر، من أجل إكساب الإعلام بمختلف صوره، مظاهر الشرعية و المشروعية..
 قد يلاحظ أن فيما أكتبه و أجزم القول فيه، كثيرا من التحامل و المبالغة، لكن واقع الممارسة الإعلامية في العالم بأسره، يؤكد أن الإعلام كرؤية و خطاب و فلسفة ، هو إعلام مؤدلج، و موجه، و مسيس، و مفبرك، و عديم الهوية.. و قد تنطبق هذه الأوصاف - بدرجة أكبر مما نتصور - على الإعلام العربي الرسمي، - و بدرجة أقل بكثير مما نظن - على الإعلام الغربي في بعض الأحايين، و في بعض المناسبات و الأحداث.. غير أن هناك أوصافا و قواسم مشتركة بين الإعلامين، تجعل منهما وجها واحدا لعملية قذرة، هي تدجين المتلقي، و تعليب مواقفه، و تحنيط  آرائه، و التحكم في تحركاته، و مساعدته على تشكيل تعابيره العملية و الأدبية على نحو مشوه.. و لنا في تغطيتهما لأحداث غزة الأخيرة، و قبلها لأحداث جنوب لبنان، و في إظهار براءة العدوان الصهيوني المسيحي الأمريكي خير دليل على ما ذهبنا إليه..
و للإنصاف، فإن الإعلام الغربي - رغم شحناته المسيحية و حمولاته المتعصبة - يبقى أقدر على تمثل بعض القيم المذكورة أعلاه - في حدها الأدنى - خلال ممارساته الإعلامية، لكن ذلك لا ينزع عنه جرائم التدليس والانحياز و التعمية و التضليل و التزوير و قلب الحقائق.. بينما نجد الإعلام العربي الرسمي و غير الرسمي، أقدر من غيره على نحر جميع القيم الإنسانية المتعارف عليها، بدون أدنى تردد أو خجل أو إحساس بوخز الضمير.. و هذا ما لامسناه منذ أيام قلائل خلت، بعد الهزيمة الكروية العادية التي مني بها المنتخب المصري لكرة القدم من نظيره الجزائري.. حيث أثبت الإعلام العربي بصحفه و فضائياته و قنواته الإذاعية، أنه إعلام سوقي و رديء و منحط و سافل و سخيف و بئيس و غبي و أحمق و قذر و متهور و كئيب و ساقط  ووو ( لن يخطئ القارئ الكريم وصفه، إذا ما اجتهد إلى جانبي في البحث عن نعوت أخرى أكثر قذارة و رداءة).
لقد بذل هذا الإعلام الرديء جهدا جبارا و مرعبا، من أجل تحويل هزيمة رياضية إلى انتصار سياسي لا داعي له، بل و لا معنى له، و لا مردودية عملية أو مادية له.. و لو وظف هذا الإعلام الهزيل جزء يسيرا من جهده الخرافي، في سبيل استرجاع الأرض المغتصبة من الصهاينة و الصليبيين، أو في تغيير أنظمته السياسية اللاشرعية و المستبدة، أو في تبديد و تدمير أسباب الفقر و المرض و الجهل و السكن غير اللائق ووو..  لكان وضعنا الحضاري في عالم اليوم أفضل  لنا و أكرم..


 



 
  يونس إمغران (المغرب) (2009-11-23)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة
يونس إمغران
مساحة للنقاش
الأوصاف القذرة للإعلام العربي-يونس إمغران (المغرب)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia